كيف نغرس في أولادنا قضية الأقصى المبارك؟
المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه كان معراجه إلى السماوات العلا، وله مكانته في قلب كل مسلم.
والقدس واحة تتجه إليها الأنظار وقبلة يقصدها الجميع لمكانتها، وكانت دار سلام لكل من دخلها، غير أن الصهاينة أرادوا أن يحولوها أطلالا ودار حرب لا دار سلام، فوضعوا الخطط والدراسات وجمعوا الدعم حتى يتحقق لهم مرادهم.
يصفها الدكتور محمد بديع بقوله: القدس زهرة المدائن، وبسمة الأماكن، ليلها صلوات وابتهالات، ونهارها كدح ودعوات، وتاريخها هو تاريخ الرسالات وتضحيات المرسلين، سلَّمها النبي إلى النبي والرسالة إلى الرسالة؛ حتى تسلَّمها محمد صلى الله عليه وسلم من جميع الأنبياء في حفل باركته السماء، وعلى أبوابها استُشهد الأبطال، وفي ساحاتها استبسل صناديد الرجال المؤمنين، وعلى أبوابها يتصارع الحق والباطل صراعًا مريرًا قد يربح الباطل جولاته الأولى، ويحسم الحق جولاته الأخيرة.
هذه المدينة وهذا المسجد الذي غرس الإسلام فينا روحه وحبه وأمرنا أن نسلمه جيلًا بعد جيل مدافعين عنه، عاشقين لترابه؛ يقع الآن في قبضة الصهاينة، ويحاولون تمييع قضيته في نفوسنا ونفوس أبنائنا، وهو ما يلقي بعاتق المسئولية علينا في غرس محبته هذه لأولادنا من بعدنا والعمل على الدفاع عنه وتعريفهم بحقيقة قضيته.
أهمية الأقصى
للمسجد الأقصى مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، فهو مسرى نبيهم، وأولى قبلتهم، وأرض الرباط، اختصه الله بالذكر مع المسجد الحرام والمسجد النبوي فقال تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء: 1). فقد بارك الله المسجد الأقصى وما حوله حيث مدينة القدس والتي وصفها الله – سبحانه – بالمقدسة في قوله تعالى: { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة: 21).
ولقد وردت عدة أقوال عن فضل الصلاة في المسجد الأقصى، منها ما ضعفه العلماء كالقول بأن صلاة في المسجد الأقصى خير مما سواها بألف مرة أو خمسمئة مرة، ومما صح سنده عن أبي ذر الغفاري عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: [صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه] (رواه الحاكم). أي: في المسجد الأقصى المبارك، مما يدل على أن الصلاة في المسجد الأقصى تعدل مئتين وخمسين صلاةً فيما سواه من المساجد؛ للحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: [صَلاةٌ في مَسْجِدِي هذا خَيْرٌ مِن ألْفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ، إلَّا المَسْجِدَ الحَرامَ] (صحيح البخاري).
والمسجد الأَقصى المبارك هو اسم يطلق على كامل المساحة المسورة الحاوية للمسجد القبلي أو مسجد قبة الصخرة والأروقة والساحات وغيرها والواقعة في الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة -البلدة القديمة بمساحة تبلغ مائة وأربعا وأربعين دونما، أي ما يعادل نحو سدس مساحة البلدة القديمة(1).
دور المسلمين الأوائل نحو الأقصى
لقد أدرك المسلمون الأوائل أهمية القدس والمسجد الأقصى، لذا تطلعت أفئدتهم لفتحها والعناية بها، وما إن فتحها عمر بن الخطاب إلا وقد حرص ملوك وأمراء الدولة الإسلامية من بعده على مدار التاريخ الدفاع عنها والاستماتة في الحفاظ عليها.
يقول الدكتور عبدالرحمن البر: فتح الله عليهم مكَّةَ، ودخل الناسُ في دينِ الله أفواجًا، ثم وجَّهوا همَّتَهم لاستنقاذِ القبلةِ الأولى، وكان الفتحُ العُمَريُّ لبيت المقدس عام 15هـ.
وظلت القدس والمسجد الأقصى في حماية الخلافة الإسلامية حتى سقطت في أيدي الصليبيين عام 1099م وظل القادة المسلمون خلال مائة عام يسعون ويعملون على تحريرها، فهذا القائد عماد الدين زنكي، ومن بعده حاول نور الدين محمود، وأخيرا استطاع صلاح الدين الأيوبي تحريرها بعد توحيد المسلمين والأخذ بسبل القوة وذلك عام 1187م.
ظلت جميع الممالك الإسلامية تدافع عنه ضد الحملات الصليبية المتعاقبة ولم ترضخ لعنصر التهديد أو القوة الذي مارسه العدو.
وفي فترة حكم سليمان (1520- 1566م)، نعمت القدس بأزهى أيامها، فكان سلاطين بني عثمان يكنون احتراماً خاصاً للقدس. وظلت كذلك حتى ضعفت الأمة الإسلامية وسقطت الخلافة الإسلامية عام 1924م فكانت إيذانا بسقوط الأقصى عام 1948م(2).
أهمية حماية الأقصى واسترداده
المسجد الأقصى يعد وقفًا للمسلمين لا يحق لأحدٍ التنازل عنه، وبالتالي فإن مهمة تخليص المسجد الأقصى من الاحتلال هي مسؤولية كل مسلمٍ حتّى يعود إلى أحضان المسلمين.
ولقد ضرب السلطان العثماني عبدالحميد الثاني أروع المثل في هذا الأمر حينما رفض طلب صديقه نيوزلينسكي وقال له ردا على عرض هرتزل عام 1896م: قل لصديقك هرتزل إنني لا أستطيع أن أبيع ولو قدمًا واحدة من البلاد لأنها ليست ملكًا لي بل لشعبي.. لقد حصل أبناء شعبي على هذه الأرض بالقتال وبدمائهم وقد غذوها بدمائهم، ونحن سنغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا.. ليوفر اليهود ملياراتهم.. فإذا قسمت إمبراطوريتي ربما يحصلون على فلسطين بلا مقابل، إنما لن تقسم إلا على جثثنا. أنا لن أقبل تشريحنا ونحن أحياء(3).
ومنذ سيطرة المحتل البريطاني على القدس وهو يعمل جاهدا على تمكين الصهاينة من أرض فلسطين، وعلى الرغم من المقاومة الشرسة للمرابطين حول بيت المقدس كعز الدين القسام ومجاهدي الإخوان المسلمين، إلا أن خيانة الحكام العرب كانت سببا في سقوط أعز نقطة على الخريطة في أيدي الصهاينة، مما استوجب على المسلمين جميعا العمل على استرداد الأقصى والحفاظ عليه(4).
إن الجهاد لاسترداد فلسطين والأقصى فرض عين على جميع المسلمين، فالجميع مطالبون بصيانة المقدسات وحمايتها، وفي مقدمتها أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى النبي ومعراجه.
واجبنا نحو الأقصى
تعرض المسجد الأقصى للظلم والطغيان والانتهاكات من قبل الاحتلال الصهيوني وما زالت المحاولات لطمس هويته ومحاولة هدمه وإقامة هيكلهم المزعوم، ولذا يقع علينا بعض الواجبات نحوه منها:
إيقاظ الوعي التربوي الإيماني في نفوسنا ومعرفة أهميته في ديننا وحقوقه علينا.
إنعاش الحركة العلمية التربوية الدعوية، وإعادة دور مجالس العلم والتربية والتعريف بقضيته وإيقاظ الوعي بها.
تذكير المسلمين في أنحاء العالم بقضايا المسجد الأقصى ومشكلاته عبر المؤتمرات والندوات والشاشات الفضائية والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي.
اتحاد المسلمين في الداخل والخارج على قلب رجل واحد في مواجهة ما يقوم به الصهاينة من محاولات لتمييع وطمس حقيقة قضية القدس والأقصى.
اهتمام الدعاة والخطباء والمربين بقضية الأقصى والتذكير بها والتعريف بحقيقتها، ورد الشبهات والتساؤلات التي تحاول أن تميع القضية.
كيف نربي أبناءنا على قضية القدس
لا يكف المرابطون في المسجد الأقصى والمصلحون في مختلف البلدان عن نشر القضية والدفاع عنها بما أوتوا من قوة، سياسيا وإعلاميا وتربويا.. وواجب الآباء والمعلمين والدعاة والمربين عظيم في تصحيح الصورة لدى الأطفال، والتعريف بفلسطين والقدس والمسجد والأقصى وغرس حبهم والدفاع عنهم في قلوب أطفالنا، وذلك عن طريق:
ربط محبة الأقصى بمحبة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لما لهذا المكان من وضع خاص عند النبي صلى الله عليه وسلم.
تعليم الأجيال فضائل المسجد الأقصى، ومكانه على الخريطة، والبطولات الإسلامية التي جرت على أرضه، والظلم والاحتلال الذي يتعرض له اليوم.
اقتناء ماكيت أو لوحات أو ملصقات عن المسجد الأقصى لتظل أمام الأطفال دائما ليتعرفوا عليه.
اقتناء بعض الأناشيد الإسلامية التي تتكلم عن الأقصى.
عمل حصالة في البيت تربي الطفل على الادخار والإنفاق من مصروفه دعما للمسجد الأقصى.
تعريفهم بإسلامية قضية فلسطين ورفض أي حلول يضيع بها المسجد الأقصى أو إعطاء الوصاية لليهود على المسجد الأقصى بالمعاهدات والوثائق.
عمل مسابقات منزلية عن المسجد الأقصى.
عمل فقرة يومية في الإذاعة المدرسية عن المسجد الأقصى.
حمل هم قضية الأقصى والاهتمام بها ومعرفة تاريخها وما جاء فيها من أخبار وآثار إسلامية؛ ليتحصن المسلم من شبهات اليهود، ويرد عليها.
تعريفهم بحقيقة اليهود (أخبارهم في كتاب الله وسنة نبينا) والإحاطة بمخططاتهم وعقائدهم وتاريخهم وأهدافهم.
إصدار شخصيات كرتونية إسلامية للأطفال تدافع عن القدس؛ ليسهل عليهم فهم القضية والارتباط بها.(5).
أخيرا
قضية القدس والمسجد الأقصى ليست قضية شعب بل هي قضية أمة كاملة لابد أن تظل حية في نفوسها، وإن كان العدو وأتباعه عملوا على طمس القضية وإشاعة الجهل بها وبث الخوف لكل من يعمل من أجلها، إلا أن جهود المصلحين والمرابطين في القدس والعلماء والدعاة لها منا كل إعجاب وتقدير، ولولا أن صناع القرار في سبات عنها؛ لأثمرت هذه الجهود الطيبة.. فعلينا جميعا إيقاظ القضية في نفوسنا ونفوس أبنائنا ونشرها قدر استطاعتنا حتى لا تضيع القضية ويضيع الأقصى بضياعه في عقول أبنائنا.