آخر مقال للشهيد الدكتور وائل الزرد: هل سيرضى عنا العالم ؟
يحرصُ كثيرٌ من الناس، وخاصة العاملين في حقل السياسة وابتُلي بشيء من هذا النَّشِطون في العمل الدعوي، وبلا شك لهم قصد حسن، وظن جميل، ولعلهم بنيتهم هذه يؤجرون، أو على الأقل لا يأثمون.
إنَّ المبالغة في النظر إلى رضا الناس عن أفعالنا، أمرٌ سلبي يوقف عن القيام بكثير من الأعمال، ويستدعي كثيرًا من الرياء والنفاق الاجتماعي -كذلك-، خاصة أنَّ “رضا الناس غاية لا تدرك”، وهي عبارة منسوبة للإمام الشافعي، فإنَّ هذا المقولة من كلام الشافعي -رحمه الله تعالى- ففي صفة الصفوة: عن الربيع بن سليمان قال: قالَ لي الشافعيُّ: “يا رَبيعُ؛ رِضَا النَّاسِ غَايةٌ لَا تًدرَكُ، فَعَليكَ بِمَا يُصلِحُكَ فَالزَمْهُ، فَإنَّهُ لَا سَبيلَ إِلَى رِضَاهُم“.
وأقول بكل صراحة: إنَّ النظرَ في كل عمل إلى ما سيقوله الناس عنا، أو جعل رضا الناس مطلبًا؛ نتقدم بالعمل أو نتأخر من أجله، لا يمت للإسلام بصلة، فممَّا تربينا عليه منذ نعومة أظفارنا أنَ رضا الله هي الغاية الكبرى، ورحِمَ اللهُ شيخَنا الياسين؛ حين أنطقه الله بالحق، فقال قولًا أصبح مثلًا وأصبح الجيل بعد الجيل يرويه: “أَمَلِي أَنْ يَرْضَى اللهُ عَنِّي“.
ثمَّ إنَّ القرآنَ الكريمَ قد حسَم الأمرَ بالنسبة لنا كمُسلمين، فقد قطع القرآنُ قولَ كلِّ خَطيبٍ فقال {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.
ومن أسفٍ أننا أحيانًا نؤخر بعض الأمور -ونحن قادرون على فعلها- بحجة ماذا سيقول العالم عنا؟ وكيف سينظر العالم لنا؟ وهل هذا الفعل سيجلب لنا الرضا أم سيبعث علينا السخط والغضب؟ وأحيانًا أخرى، نسارع بتقديم وعرض بعض الأمور -والتي فيها شيءٌ من المخالفات- ونحن قادرون على تجاوزها وعدم فعلها، ولكن يفعلها بعضُنا حتى يرى العالمُ أننا منفتحون، تقدميون، عصريون، ولسنا رجعيين، أو ظلاميين، ولعلَّ العالم يرضى عنا!!
فتجد بعضَنا -للأسف والحسرة- يؤخر إنكار بعض المنكرات، من منعٍ لزرع الدخان، أو منعٍ لنشر صور الملابس الداخلية للنساء في الأسواق، أو عقد لحفلات مختلطة للشباب والشابات، برعاية هذه البلدية أو تلك المؤسسة، والنظر كله على: “لعلَّ العالم يرضى عنا“.
إنَّ الحرصَ يجب أن يكونَ منصبًا على مرضاة الله وحده، وعدم التماس رضا الناس بما يسخطه، فعن عَائِشَة -رضي الله عنها- قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ» رواه الترمذي في سننه، حديث رقم: 2414 وهو صحيح.
إن العالم اليوم مشغولٌ كل بنفسه، ولا يعنيه كثيرًا ما نحن فيه، سواء تقدمنا أو تأخرنا، وسواء قدَّمنا أو أخرْنا، بل الحق الذي نعتقده: يوجد كثير من أرباب السياسة في العالم يعنيه أن نبقى في دائرة الحاجة والعوز، لا نتقدم إلا حين يعطينا الOK ومثل هؤلاء لا ينظر لهم، ولا يُعبأ بهم، فليسوا هم من شهداء الله في الأرض، ولا من القائمين بالقسط في هذه الحياة، فميزانهم فيه عِوج، ونظرهم أصابته الغِشاوة، وسمعُهم ضربه الصمم…
والحق الذي لا مرية فيه: أن نتقدم وفق خطً ثابتة وخطة واثقة، جاعلين رضا الله -سبحانه وتعالى- هي الغاية الكبرى، دون التفاتٍ لنظر هذه الدولة أو تلك، مستظلين بشريعة الله المطهرة، فما جعل الله رزقَ آل محمدٍ في حرام، ولنردد ما كان يقوله مفكرُ الدعوة وفقيهُ العصر الشيخ القرضاوي -رحمه الله-:
ضَعْ فِي يَدَيَّ القَيدَ أَلهِب أَضلُعِي بِالسَّوطِ *** ضَع عُنُقِي علَى السِّـــكِّينِ
لَن تَستَطيعَ حِصارَ فِكريَ سَــــاعةً *** أو نَزعً إيمَانِي ونُورَ يَقينِي
فَالنُّورُ فِي قَلبِي وقَلبِي بينَ يَدَي رَبِّــــي *** ورَبِّــــي نَاصِري ومُعينِي
ســَـــأعِيشُ مُعتصِمًا بِحبلِ عَقيدَتِي *** وأمُوتُ مُبتسِمًا لِيحيَا دِينِي