• الرئيسية
  • أخبار الشرقية
    • أبو حماد
    • أبو كبير
    • أولاد صقر
    • الإبراهيمية
    • الحسينية
    • الزقازيق
    • العاشر من رمضان
    • القرين
    • بلبيس
    • ديرب نجم
    • فاقوس
    • كفر صقر
    • مشتول السوق
    • منيا القمح
    • ههيا
  • بوابة المعتقلين
  • عربي ودولي
    • فلسطين
  • أخبار عامة
    • اقتصاد
    • ترجمات
    • تقارير
    • سوشيال ميديا
  • مقالات
  • منوعات
  • نبض الإخوان
  • روضة الدعاة
 د. عبدالرحمن البر يكتب: مناجاة ودعاء لرب الأرض والسماء
روضة الدعاة

د. عبدالرحمن البر يكتب: مناجاة ودعاء لرب الأرض والسماء

مايو 20, 2023

مقـــــدمــة

الحمدُ للهِ الَّذِي بتَحْمِيدِه يُسْتَفْتَحُ كلًّ كتاب، وبذِكْرِه يُصَدَّر كلُّ خِطاب، وبحَمْدِه يتَنَعَّمُ أهلُ النَّعِيمِ في دارِ الجزاءِ والثواب، وباسمه يُشْفَى كلُّ داء، وبه يُكشَفُ كلُّ غُمَّةٍ وبلاء، إليه تُرْفَعُ الأيدِي بالتَّضَرُّعِ والدُّعاء، في الشِّدَّةِ والرَّخاء، والسَّرَّاء والضَّرَّاء، وهو السامعُ لجميعِ الأصوات، بفُنونِ الخِطابِ على اختلافِ اللُّغات، والمجيبُ للمُضْطَرِّ الدُّعاء، عليه يتوكَّلُ المتوكِّلون، وإليه يلْجَأُ الخائفون، وبِكَرَمِه وجميلِ عوائدِه يتعلَّق الرَّاجُون، وبِسُلْطانِ قهْرِه وعظيمِ رحمتِه وبِرِّه يستغيثُ المضطرون، ولِوُسْع عطائِه وجميلِ فضلِه ونعمائِه تُبسَط الأيدي ويَسْأَلُه السائلون.

إِلَيْكَ وإلَّا لَا تُشَدُّ الركَائِبُ   ومِنْكَ وإلَّا لَا تُنالُ الرَّغَائِبُ
فِيكَ وإلَّا فالرَّجَاءُ مُخَيَّبٌ   وعَنْكَ وإلَّا فالمحَدِّثُ كاذِبُ
لَدَيْكَ وإلَّا لَا قَرَارَ يَطِيبُ لي   عَلَيْكَ وإلَّا لَا تَسِيلُ السَّوَاكِبُ

وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارَك علَى عبدِه ورسولِه، وخِيرَتِه مِنْ خَلْقِه، وأَمِينِه على وحْيِهِ نبيِّنا محمَّدٍ، صلاةً تُكَفَّر عنَّا بها السيئاتُ وتُرْفَعُ بها الدرجاتُ وتُكْتَبُ لنا بها الحسناتُ، وعلى آلِه وأصحابِه، ومَنْ تَبِعَه بإِحْسانٍ إلى يومِ الدِّين.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلَنَا كُلَّهُ صَالِحًا خَالِصًا مُتَقَبَّلًا، وَلَا تَجْعَلْ للشَّيْطَانِ فِيهِ حَظًّا وَلَا نَصِيبًا، ووَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى ، وارْزُقْنَا خَيْرَ الآخِرَةِ والأُولَى.

وبعد، فقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ (الأحزاب: 41، 42) وتكرَّر الأمرُ بالذكر الكثير في آيات متعددة، وقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» (متفق عليه)، وقَالَ رجلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، وفي رواية: إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيْنَا، فَبَابٌ نَتَمَسَّكُ بِهِ جَامِعٌ، قَالَ: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» (أخرجه الترمذي وأحمد).

الذكــر أفضــل الأعمــال:
أيها الإخوان، في ظل الأحداث التي يمر بها وطننا العزيز والمحنة التي تعيشها أمتنا مع الانقلاب العسكري الغاشم، علينا أن نتذكر «أنَّ الإخوان المسلمين يقصِدُون أوَّلَ ما يقصِدُون إلى تربيةِ النُّفُوس، وتجديدِ الأرْواحِ، وتقْوِيَةِ الأخْلاقِ، وتنْمِيَةِ الرُّجُولةِ الصحيحةِ في نفوسِ الأمَّةِ، ويعتقدون أنَّ ذلك هو الأساسُ الأوَّلُ الذي تُبْنَى عليه نَهَضَاتُ الأُممِ والشُّعوب»

ولا سبيلَ إلى ذلك إلا السبيلُ الذي سلكَه الدَّاعي الأولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو إيقاظُ الأرواح، وتوصيلُها باللهِ ربِّ العالمين؛ عن طريقِ أفضلِ الأعمالِ وهو الذِّكْرُ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»، قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» (أخرجه الترمذي)، وعدَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثرةَ الذِّكْرِ سببَ السَّبْقِ والفَوْز، فقال: «سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ» قَالُوا: وَمَا الْمُفْرِدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ (أي المولَعُون بكثرةِ الذكر) يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا» (أخرجه الترمذي).

والذِّكْرُ أعظمُ بابٍ أنتَ دَاخِلُه   للهِ فاجْعَلْ لهُ الأَنْفَاسَ حُرَّاسا

ومن السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظله: «رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» (متفق عليه(

والذكْرُ معنى شاملٌ لكثيرٍ من الطاعات، قَالَ قَتَادَةُ: «كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ، وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ» (أخرجه البخاري).

ولهذا فحياتُنا كلُّها مجالٌ لذكرِ الله، ولهذا لا بُدَّ من استصحاب النيَّة الصالحةِ في كلِّ ما نقومُ به من أعمالٍ أو فعاليات.

حاجتنا إلى كثرة ذكر الله:
إننا في أمَسِّ الحاجةِ إلى قوةِ القلبِ في مواجهةِ التحدِّي المفروضِ علينا وفي توجُّهِنا لإسقاطِ هذا الانقلابِ وتحقيقِ فريضةِ الحريَّةِ عبْرَ وسائلِنا السِّلْمِيَّةِ التي نتمسَّكُ بها ولا نَحِيدُ عنها بحالٍ من الأحْوال، ومن أهَمِّ السُّبُل لذلك: الذِّكْرُ لله، الذي هو سببُ حياةِ القلبِ، وتَرْكُه سببُ قسْوتِه وموتِه، فقد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّت» (متفق عليه). ذلك أنَّ قلبَ المؤمنِ شديدُ التأثُّرِ بالذِّكْرِ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (الأنفال: 2)

وذِكْرُ الله هو الطريق إلى طمأنينة القلوب، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28)، وما أحوجَنَا إلى هذه السَّكِينةِ والطُّمَأْنِينَةِ في جهادِنا السِّلْمِيِّ، ولذلك فلا شيْءَ يشغَلُ المؤمنَ عن الذِّكْر، فمن المؤمنين ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ (النور: 37(

وذِكْرُ الله يردُّ المخطئَ إلى الصواب، فيسارعُ في الرجوع إلى الحق، قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: 135)، ولهذا نراجِعُ أنفسَنا باستمرارٍ؛ لنتأكَّدَ أنَّنا في طريقِ الحقِّ لا نَنْحَرِفُ ولا نَزِيغُ عنه، ولا نُخْدَعُ بغيرِه عنه أبدا.

وذِكْرُ الله سببٌ لاستحقاقِ معِيَّةِ الله للعبدِ الذَّاكِر، كما قال تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ (البقرة: 152) ، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ» (أخرجه مسلم)، وهي معيَّةٌ بالقربِ والولايةِ والمحبةِ والنُّصْرَةِ والتوفيق، وكفَى بهذا فضلاً وشرفًا، ولئن كانت طبيعةُ الظالمين أن يُعينَ بعضُهم بعضا؛ فإنَّ من حقائقِ الإيمانِ أنْ يستعينَ المؤمنُ بمصدرِ القوةِ الحقيقيةِ وهو الله تعالى، فتخيَّل كم يكون مقتَضَى ذكرِ الله تعالى من الفتحِ والنصرِ والقوةِ والمعونةِ والتوفيق!.

وإهمال الذكر يؤدي إلى قسوة القلب، ومن ثَمَّ للفَشَل والضَّلال، قال تعالى ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (الزمر: 22)، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي» (أخرجه الترمذي).

ولهذا فالشيطانُ شديدُ الحرصِ على شَغْلِ العبد بغير ذكر الله ليتمكَّنَ من قيادتِه إلى الهلاك، قال تعالى ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ (المجادلة: 19) وقال تعالى ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ (الزخرف: 36)، وفي ضوء ذلك يمكنك أن تدركَ سرَّ التخبُّطِ والارتباكِ في صفوفِ الظالمين الذين قَسَتْ قلوبُهم وغلُظَتْ أكبادُهم، ولم تَخْشَعْ قلوبُهم لذكْرِ الله وما نزل من الحق.

الذاكر يقابل المحن بالشجاعة حتى يغلبها:
ولذلك فالذِّكْرُ أساسُ نجاحِ المسلم الصادقِ وشجاعتِه في مواجهةِ المحن، فالذاكرُ لله يدركُ أن المقاديرَ تجري بأمره سبحانه، ويمتلئُ قلبُه بِهَيْبَةِ الله وعظمتِه، فلا يتردَّدُ في الجهْرِ بالحق، وبهذا أمر الله موسى وهارون فقال ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ (طه: 42)

أيها الإخوان، لهذا كان من أصول تربيتِنا الرُّوحيةِ المحافظةُ على الوظيفةِ الكبرى صباحًا ومساءً، فإن ضاق وقتُ الأخ فلْيَقْرَأْ الوظيفةَ الصغرى، ثم المحافظة على الذكر الدائم في كل المناسبات والأحوال، بل وفي كل الأوقات، وعلى كل الهيئات ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ (النساء: 103)، فذلك سَمْتُ أُولي الألباب ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: 191)

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كلُّ عبادةٍ فرضَها اللهُ تعالى جعل لها وقتًا مخصوصًا، وعَذَرَ العبادَ في غير أوقاتها، إلا الذِّكْرَ لم يجعلِ الله له وقتًا مخصوصًا، قال ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾» (الأحزاب: 41).

بذِكْرِك يا مَوْلَى الوَرَى نَتَنَعَّمُ   وَقَدْ خَابَ قَومٌ عَنْ سَبِيلِكَ قَدْ عَمُوا
شَهِدْنا يَقِيناً أنَّ عِلْمَكَ واسِعٌ   وأنتَ تَرَى ما في القُلُوبِ وتَعْلَمُ
إِلَهي تَحَمَّلْنا ذُنوباً عظيمةً    أَسَأْنَا وقَصَّرْنا وجُودُك أَعْظَمُ
سَتَرْنا معَاصِيَنا عنِ الخَلْقِ غَفْلَةً   وأنتَ تَرَانا ثُمَّ تَعْفُو وتَرْحَمُ
وحَقِّكَ ما فِينَا مُسِيءٌ يَسُرُّهُ   صُدُودُكَ عَنْه بَلْ يُذَلُّ ويَنْدَمُ
سَكَتْنا عنِ الشَّكْوَى حَياءً وهَيْبَةً   وحاجَتُنا بِالمقْتَضَى تَتَكَلَّمُ
إذا كانَ ذُلُّ العَبْدِ بالحَالِ ناطِقاً    فَهَلْ يَسْتَطِيعُ عَنهُ ويَكْتمُ
إلهِي فَجُدْ واصْفَحْ وأَصْلِحْ قُلُوبَنا   فأنتَ الَّذي تُولِي الجَميلَ وتُكْرِمُ
أَلَسْتَ الَّذِي قَرَّبْتَ قَوْماً فوُفِّقوا   ووَفَّقْتَهُم حَتَّى أَنابُوا وأَسْلَموا
وقُلْتَ اسْتَقِيمُوا مِنَّةً وتَكَرُّماً    وأنتَ الَّذِي قَوَّمْتَهُم فَتَقَوَّمُوا
لَهُمْ في الدُّجَا أُنْسٌ بِذِكْرِكَ دَائماً   فَهُمْ في اللَّيَالِي سَاجِدُون وقُوَّمُ
نَظَرْتَ إلَيْهِمْ نَظْرَةً بِتَعَطُّفٍ    فعَاشُوا بها والخَلْقُ سَكْرى ونُوَّمُ
لكَ الحَمْدُ عَامِلْنَا بما أَنْتَ أَهْلُه    وسَامِحْ وسَلِّمْنَا فَأَنْتَ المسَلِّمُ

المناجاة والدعاء من أهم صور الذكر:
فعقيدتُنا التي لا شكَّ فيها أن المقاديرَ تجري بأمر الله، ونحن نردِّدُ دائما ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (آل عمران 26-27).

ولهذا فمع اهتمامنا بالعمل والحشد وتنظيم الفعاليات، وحسن إدارة الأمور، واتخاذ كل الأسباب المادية للنصر؛ فإنَّ يقينَنا الذي لا يَهْتَزُّ أنَّ الأمرَ بيد الله وحده، ولهذا نلجأُ إليه لِرَفْعِ البلاءِ وكشْفِ الضُّرِّ واستنزالِ النصر، ولله در القائل

إنْ مسَّنا الضُّرُّ أو ضاقتْ بنا الحِيَلُ   فلَنْ يخيبَ لنا في ربّنا أملُ
اللهُ في كُلِّ خَطْبٍ حَسْبُنا وكَفَى   إليه نرفعُ شَكْوَانا ونَبْتَهِلُ
مَنْ ذا نَلُوذُ به في كَشْفِ كُرْبَتِنا   ومَنْ عليهِ سِوَى الرحمنِ نتَّكِلُ
خزائنُ اللهِ تُغْنِي كُلَّ مُفْتَقِرٍ    وفي يَدِ اللهِ لِلسُّؤَّالِ مَا سَأَلُوا
وَ سَائِلُ اللهِ مَا زالَتْ مَسَائِلُه    مقْبُولَةً مَا لها رَدٌّ ولا مَلَلُ
فَافْزَعْ إلى اللهِ واقْرَعْ بابَ رَحمتِه   فهُوَ الرَّجَاءُ لِمَنْ أَعْيَتْ به السُّبُلُ
كَمْ أَنْقَذَ اللهُ مُضْطَراً بِرَحْمتِه    وكَمْ أَنَالَ ذَوِي الآمَالِ ما أَمِلُوا

ومع يقين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوعد الله في نصره للمسلمين في بدرٍ فإنَّه اشتغل بل اجتهد في الدعاء وبالغ فيه، حتى أشفق عليه أبو بكر رضي الله عنه، فقد قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ (الأنفال: 9) فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ. (أخرجه مسلم)

وما أحوَجَنا إلى تطبيقِ هذه السُّنَّةِ النبويَّةِ الكريمةِ وصِدْقِ اللُّجُوءِ إلى الله لكَشْفِ الغُمَّة عن الأمة، ودفْعِ الضُّرِّ عنها، وإسقاطِ الظلمِ والظالمين، مع تحرِّي أفضلِ أوقاتِ الإجابة، وبخاصَّةٍ في جوفِ الليل وفي الأسحار.

فأقْبِلُوا أيها الإخوانُ على الذِّكْرِ والدعاءِ بقلوبٍ للهِ خاشعةٍ، ونفوسٍ في رحمةِ الله طامعةٍ ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الأنفال: 45، والجمعة: 10)، مع اليقين بوعد الله في الإجابة، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ» (أخرجه الترمذي وصححه الحاكم وحسنه الألباني).

اللَّهُمَّ يا مُيَسِّرَ كلِّ عسِيرٍ، ويا جابِرَ كلِّ كَسِيرٍ، ويا مُغْنِيَ كلِّ فقيرٍ، ويا مُقَوِّيَ كلِّ ضعيفٍ، يا منفِّسَ كُربةِ كلِّ مكروب، ويا كاشفَ الضُرِّ والبَلْوَى عن أيوب، ويا مَنْ أَقرَّ بيوسفَ عينَ صفيِّهِ ونبيِّه يعقوب، ونجَّى نوحاً من الغَرَق، وإبراهيمَ من الحَرَق، ويونس َمن الظلمات، وسلَّم موسى من شَرِّ الجبابرةِ العُتاة، وأعاذ محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شياطين الإنس والجِنّ؛ اجعلْ لأُمَّتِنا فرجاً قريباً ومخرجاً رحباً مما أوقعها فيه الانقلابيون الظلمة، إنك على كل شيء قدير.

يا مَنْ تُحَلُّ بِذِكْرِه    عُقَدُ النَّوَائِبِ والشَّدَائِد
يا مَنْ إلَيْهِ المشْتَكَى    وإلَيْهِ أَمْرُ الخَلْقِ عائِد
يا حَيُّ يا قيومُ يا صَمَدُ    تَنَزَّهَ عنْ مُضادِدْ
أنتَ المنزَّهُ يابَديعَ    الخَلْقِ عن ولدٍ ووالِد
أنتَ الرَّقِيبُ علَى العِبَادِ    وأنتَ في الملَكُوتِ واحِد
أنتَ المعِزُّ لمنْ أطَاعَك   والمذِلُّ لكُلِّ جاحِد
فرِّجْ بحَوْلِك كَرْبَنا    يا مَنْ له حَسَنُ العوائِد
أنت الميَسِّرُ والمسَـ    ـبِّبُ والمسَهِّلُ والمساعِد

ولقد اجتهدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْه وسَلَّم في الذكرِ والدُّعَاءِ، واجتهدَ الصحابةُ والتابعون والعلماءُ الرَّبَّانيُّون في الدُّعَاءِ، وأبْدَعُوا صِيَغًا رائعةً مُعَبِّرَةً في أذكارِهم وأدْعِيَتِهم، وكنتُ حريصًا على جمعِ ما يمكنُ من هذه الصِّيَغ لأستعملَها في الذِّكْرِ والدُّعاء، ورأيتُ أن أجمعَها مع أدعية وردت في القرآن الكريم، في هذا الكتابِ الذي سميته (مناجاة ودعاء وتسبيح وثناء لرب الأرض والسماء)؛ تذكِرَةً لنفسي ولمن أُحِبُّ، وجعلتُها في عشرين مجلساً، وقد غيَّرْتُ ضمائرَ المتكلم المفرَد فيها إلى ضمائر الجمع؛ ليسهُلَ على الإخوة الذين يجتمعون في مجالس العلم أو مجالس الذكر والدعاء أن يستفيدوا منها، كما أن الفرد لو دعا بضمير الجمع قاصدا إشراكَ أحبابه أو إخوانه معه في الدعاء فلا بأس بذلك، والله أعلم.

وربما غيَّرْتُ بعضَ الكلمات والعبارات التي يصعُب فهمُها على العامة واستبدلتُ بها عباراتٍ واضحةً يسهُل فهمُها، لأن الذكر والدعاء إذا كان واضحَ الألفاظ مفهومَ العبارات كان أدْعَى إلى حضور القلب مع اللسان، وربما زِدْتُ بعض الجُمَل المناسبة للمقام في الدعاء.

وقد حرصتُ في انتقاء الأذكار والدعوات أن تكون مما يصح الدعاء به، وألا يكون فيها أيُّ عبارة موهِمة أو يمكن فهمُها على وجه غير مشروع، كما حرصت ألا أشغل القارئ أو الذاكر أو الداعي بمصدر كل ذكر أو دعاء أو اسم من قاله أو دعا به، حتى تخلص الأذهان وتجتمع الهمة على معنى الذكر فحسب، فذلك أرجى لحضور القلب وحصول أثر الذكر إن شاء الله.

وهذه الأذكار والدعوات أذكار عامة غير أذكار الصباح والمساء وأذكار الأحوال المختلفة، وبما كان بعضها مما يدعى به في الصلاة أو في أحوال خاصة، إلا أنه يصلح أن يكون دعاء عاما أيضا.

وإني لأرجو أن ينفع الله بذلك، وأن يجعله في ميزان حسناتي، وأن يعجل الفرج لأمتنا، إنه على كل شيء قدير.

وصلَّى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم.

  • 0
    Share
    Facebook
  • 0
    Share
    Twitter
  • 0
    Share
    Facebook Messenger
  • 0
    Share
    Telegram