
رسالة إلى القمة العربية الثانية والثلاثون المنعقدة في جدة
السادة ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية المجتمعون في جدة في الدورة 32 للقمة العربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تأتي الدورة الجديدة للقمة العربية، هذا العام 2023م، في ظل محاولات متكررة من العدوان الصهيوني على غزة والانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى المبارك؛ بما يمثل استفزازا مستمرا للأمة الإسلامية.
إن الواجب يملي على القادة الحضور في القمة إعلان الدعم الكامل لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستقلال أراضيه كاملة غير منقوصة، وإعلان رفضهم لكل الممارسات الإجرامية التي دأبت سلطة الاحتلال على ارتكابها، والتأكيد على تماسك ووحدة القمة متضامنة مع تماسك ووحدة المقاومة، بما يعطي رسالة يقرؤها العدو الصهيوني بوضوح.
إن الشعوب العربية وقفت وتقف في صف القضية الفلسطينية، لا تقيل عنها ولا تستقيل، ودفعت من دماء أبنائها وضحت بكل ما تملك من أجلها، وأبت أن تطبّع مع عدوها، ورفضت بكل قوة وحسم أن تركن إليه أو تداهن في الحق.
وإن ما نرجوه من هذه القمة أن تتسق مقرراتها مع مواقف الشعوب، وتستند إلى ثوابتها لا تحيد عنها ولا تميل إلى غيرها، فتعلن تضامنها الكامل مع حق الشعب الفلسطيني في الخلاص من العدوان ورفض محاولات التطبيع التي تأتي من هنا أو هناك، وذلك أضعف الإيمان.
السادة ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية:
تأتي القمة أيضا في ظل أزمات طاحنة وصراعات تحيط بكثير من الدول العربية تستنزف مقدرات أمتنا، بما يضاعف المسؤولية على هذا الاجتماع الذي نأمل أن ينجح في التخفيض من حدة الصراع الطائفي والسياسي، ويتدارس هذه المشاكل ويضعها على أول طريق الحل، مع ضرورة السعي لتخفيف حالة التوتر والاحتقان التي تعيشها المنطقة.
ويأتي الاقتتال الداخلي في السودان بين الأشقاء ليمثل مشكلة جديدة تحتاج إلى حلول عاجلة من القمة، حيث تتزايد حدته يوما بعد يوم دون أن نرى أفقا للحل أو مدخلا للتهدئة أو مجالا للمراجعة؛ مما يستوجب جهودا عربية مشتركة وإجراءات فاعلة للتعاطي مع تداعيات الموقف والحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه بما يمنع التدخلات الخارجية.
ونحن إذ نثمن الدور الذي قامت به المملكة العربية السعودية لمحاولة جمع أطراف الصراع والسعي لإيجاد حلول له، نؤكد أن الطريق أمام إغلاق هذا الملف مازال بحاجة ماسة إلى مزيد من العمل المتواصل والجهد الدؤوب؛ للخروج بالسودان من دوامة العنف والدخول إلى حياة سياسية مستقرة.
كما أن الجراح النازفة في سوريا والمعاناة التي وقعت على الشعب السوري من تشريد للملايين وإهلاك للحرث والنسل، مازالت تحتاج إلى حلول حقيقية لإخراج سوريا من هذا الواقع الكارثي، وليس من المعقول أن التجاوز عمن ارتكب هذه الجرائم ودعوة نظامه للعودة إلى الجامعة العربية يمكن أن يمثل حلا واقعيا رغم كل المجازر التي ارتكبها في حق شعبه، ورغم حالة الجمود السياسي التي مازالت تخيم على المشهد في سوريا.
السادة ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية:
إن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن يوما في صدام مع نظم الحكم ولم يكن لها يوما – ولن يكون – أجندة عدائية مع النظم، ولكنها كانت دوما جزءا معبرا عن ضمير الشعوب، تتطلع لما يتطلعون له من حرية وحياة سياسية مستقرة في ظل ممارسة ديمقراطية رشيدة، وهي على مدار تاريخها وممارساتها العملية تحترم العقد الاجتماعي والسياسي لكل دولة على حدة ولاتنقضه، بل تسعى لتعزيزه وتمكينه لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار والنهوض لكل بلادنا العربية.
إن الجراح التي تعاني منها أمتنا في سوريا واليمن وليبيا ومصر وتونس لا تستعصي على الحل إذا توفرت لها إرادة قوية ﻻ ﻳﺘﻄﺮﻕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺿﻌﻒ، ورغبة صادقة في الاستماع لضمير الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية والممارسة الديمقراطية.
والله أكبر ولله الحمد
أ. د. محمود حسين
القائم بعمل المرشد العام لجماعة “الإخوان المسلمون”
الخميس 28 شوال 1444 هـ الموافق 18 مايو 2023 م