
د. إسماعيل علي يكتب: العجز عن تطبيق المبدأ لا يُلغِي الإيمان بوجوده أو يسوِّغ جحودَه
يتعجب المرءُ مِن حال بعض الذين كانوا أقطابًا في الدعوة خلال العقود الماضية، ومنهم أناس تصدّروا المشهدَ التربويَّ والدعويَّ، وغيرَ ذلك، وظلوا ـ حينًا من الدهر ـ يدعون الناس، ويوجّهون الشباب إلى أن الإسلام الحنيفَ دينٌ يشمل بتشريعاته كافة جوانب الحياة، وأنه ـ تبعًا لذلك ـ يجب العمل على الإصلاح في سائر المجالات، بما فيها السياسة والحكم، وكانت لهم ـ حتى الأمس القريب ـ صولات وجولات في هذا المسارِ شرقًا وغربًا؛ ثم انقلبوا على أعقابهم فأصبحوا أقرب إلى الدراويش، وصاروا ينادون بأنه يجب أن لا يكون للمصلحين دخْل بالسياسة، وضرورةِ اجتنابها كاجتناب الرجس من الأوثان، وودُّوا لو أن غيرهم سار على نهجهم!!!
• هل هؤلاء كانوا فيما مضى يضللون الناس ـ والشبابَ خاصة ـ بما كانوا يدعونهم إليه من ثوابت الإسلام وخصائصه، ومنها الشمولية؟!!
• هل خلت مصنَّفات العلماء والمفكرين والدعاة، من أمثال “المودودي” و”البنا” و”قطب” و”عودة” و”الغزالي” و”القرضاوي” و”عمارة” ـ يرحمهم الله ـ مِن التأكيد على شمولية الإسلام، والدعوةِ إليها، ورفض العلمانية فكرًا وتطبيقًا، والعملِ ـ بقدر المستطاع ـ على الإصلاح الشامل، والسعيِ لإيجاد الحكومة المسلمة … ثم الخلافة …؟!
• وإذا كان بعض أولئك الناكثين يقرر أن المصلحين ينبغي أن يتفرغوا للتربية فقط؛ فَعَلامَ يُربّون؟ هل سيكون مضمونُ التربية قائمًا على أنّ الإسلام دينٌ رُوحيٌّ فقط، لا علاقة له بشؤون المعاش مِن سياسة واقتصاد وأحوال شخصية … وغيرها؟!
• إننا يجب أن نفرّق بين الإيمان بالمبدأ، وبين إمكانية تطبيقه؛ فالعجز عن التطبيق لا يُلغِي الإيمان بوجود المبدأ، فلَم يقُل أحدٌ ـ على سبيل المثال ـ بأن العجز عن تطبيق الحدود في عصرنا مسوِّغ لجحودها، أو حذفِها من المضمون الدعويّ والتربويّ، وأن العجز عن تحرير بيت المقدس يلغي الإيمان باحتلالها ووجوب فكِّ أسرِها، ثم إن الله ـ تعالى ـ أنزل سورة “الشورى” في المرحلة المكية، والمسلمون في غاية الاستضعاف، لا شوكة لهم ولا دولة، كي يمارسوا الشورى سياسيًّا؛ لكن الإيمان بها لم يتزعزع مثقال ذرة.
فإذا ثبت أنّ هناك مَن لا يستطيع الإتيان بالتكليف فهو معذور، أمّا أن يتخذ من العجز المظنونِ أو المتوهَّمِ ذريعةً لجحْد أو إلغاءِ حُكْمٍ أو تكليفٍ، أو خصيصةٍ من خصائص الإسلام؛ فهذا لا يجوز بأي منطق، ولا مسوِّغ، اللهم إلا أن يكون فاعِلُ هذا صاحِبَ غرَضٍ أو مرَضٍ، والله المعافي، والهادي إلى سواء الصراط.