وائل قنديل يكتب: نكبة الطائرة وحفلة أسيوط
لو صحّ ما ذكرته صحيفة “الجارديان” البريطانية، عن فاجعة فقدان/ سقوط/ تحطم الطائرة المصرية، أمس، بعد دخولها الأجواء المصرية، فإننا نكون بصدد جريمة نظام سياسي، عنوانها الاستهتار بحياة البشر، والعبث بمصائر المسافرين.
يكشف تقرير “الجارديان”، الذي نقله موقع “العربي الجديد”، أمس، عن كارثةٍ لا تقل فداحةً عن حادث الطائرة؛ إذ يقول إن الطائرة المنكوبة قامت بخمس رحلات في يوم واحد، ابتداءً من مطار أسمرة الدولي في إريتريا، متجهة إلى مطار القاهرة، في التاسعة والربع تقريبًا بالتوقيت المحلي، ومنه إلى قرطاج في تونس. فيما انطلقت الرحلة الثالثة من تونس متجهة إلى القاهرة، ثم انطلقت إلى مطار شارل ديجول في الساعة الثالثة والثلث عصرًا، قبل انطلاق رحلتها الأخيرة، وسقوطها.
ما كشفته الصحيفة البريطانية، أكده موقع (Flightradar 24)، المتخصص بتعقب الرحلات الجوية، والذي قال إن “الطائرة أكملت رحلات إلى أسمرة في إريتريا وقرطاج في تونس، قبل توجهها إلى باريس عن طريق القاهرة”.
هذا يعني أنهم مستمرون على الطريقة العشوائية نفسها التي انطلقوا بها منذ هذا التاريخ البائس في صيف 2013، لا يعترفون بالمنطق، أو بالعقل، أو بالتفكير العلمي.. لم يكن من قبيل المصادفات أن يكون أول ما قاموا به هو إطاحة العالم الحقيقي، عصام حجي، مقابل تصعيد جنرال الكفتة المزيف، ووضع مئات من أساتذة الجامعات في السجون والمعتقلات، لكي يخلوا الساحة للدجالين والزجالين والنصابين والمهرّجين.
لست خبيرًا في الطيران، غير أن المنطق يقتضي أن نتوقف أمام هذه الحالة من البلادة التي تجعلهم يسمحون لطائرة قديمة، دخلت الخدمة الشاقة منذ 13 عامًا، بالطيران خمس رحلات في يوم واحد، من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال.
منذ البداية، يغيّب نظام عبدالفتاح السيسي العلم والعقل والمنطق، والحجة أنه يريد أن يقفز، إلى أعلى وإلى الأمام، من دون خطة، وفي ظل غياب كامل للكفاءة والمهارة.. كم مرة سمعت منه هراءً سخيفًا حين يخبره الاختصاصيون، في أي مشروع، أن فترة التنفيذ تحتاج سنوات، فيستجمع كل مهاراته في “الفهلوة”، ويضم قبضة يده، ويقول أريد التنفيذ في شهور؟
في وهم العاصمة الإدارية الجديدة، في أثناء مؤتمر شرم الشيخ، الوهمي، مارس أقصى درجات “الشطارة الزائفة” على مسؤولي الشركة الإماراتية، وأمر بالتنفيذ العاجل، والنتيجة كما ترى، لا العاصمة الإدارية خرجت من ماكيتات الخداع التي يلتقط لنفسه الصور أمامها، ولا الشركة الإماراتية استمرت في المشروع.
كان المنطق نفسه حاضرًا في “حفلة أسيوط” داخل الخيمة الصهيونية، المغطاة بألوان العلم الإسرائيلي، حين تقمّص شخصية أنور السادات، وتحدث كرجل للحرب وللسلام، على الرغم من أنه كان طفلًا، بليدًا دراسيًا بالطبع، لم يتجاوز عامه الثاني عشر، إبّان نكسة 1967 التي يتحدّث عنها باعتباره كان شاهدًا عليها، وفي أكتوبر 1973 لم يكن قد أنهى عامه الأول في الدراسة في الكلية الحربية.. ومع ذلك، يصفق المصفقون، ويهلل المهللون لبطل الحرب والسلام، الوهمي، ويمعن هو في تمثيل الدور.
كان يتحدث باعتباره جاء بالجديد الذي سيقلب موازين التاريخ والجغرافيا، ثم نكتشف أن المسرحية كلها، تأليفًا وإخراجًا وتمثيلًا، صناعة إسرائيلية، تحت إشراف توني بلير، لمصلحة بنيامين نتنياهو، المحاصر بأزماتٍ سياسية، في الداخل الإسرائيلي.
ثم يصحو الجميع على استعادة نتنياهو، مجرم الحرب العريق، ليبرمان وزيرًا للحرب مرة أخرى، في اللحظة التي يبيع فيها السيسي بضاعة السلام، من داخل هذا الشادر الفقير في أسيوط، ليتضح أن الرجل مشغول بالمصالحة بين القوى السياسية الإسرائيلية أكثر من انشغاله بموضوع المصالحة الفلسطينية.
الشاهد أن ما جرى في أسيوط يمهّد لبربرية صهيونية قادمة؛ إذ لا ينفصل تصعيد ليبرمان الذي وضع تدمير السد العالي، ذات يوم، هدفًا قوميًا للكيان الصهيوني، عن التلويح بإعادة ابتزاز المقاومة الفلسطينية “حماس” بقضية اغتيال النائب العام في مصر، والمطلوب بكل وضوح: تركيع المقاومة وإخضاعها لسيناريو السلام الإسرائيلي الجديد، كما تم إملاؤه على عبدالفتاح السيسي الذي قال فيه الرئيس السابق لجهاز الشاباك الصهيوني، أفي ديختر، إن إسرائيل أنفقت المليارات لإطاحة حكم محمد مرسي والمجيء بعبدالفتاح السيسي.
خالص العزاء لذوي ضحايا الطائرة المنكوبة، ولمصر المنكوبة.