سليم عزوز يكتب.. الكنيسة على الخط!
كعازف الربابة القديم، سوف أتعامل قبل أن أتعرض لحادث مدينة أبو قرقاص، بمحافظة المنيا، وتجريد مسنة “مسيحية” من ملابسها، على نحو وجد فيه كثيرون حادثا طائفيا، خرجوا على أثره ينددون به، ويسألون عن دولة القانون!
“عازف الربابة”، كان، وربما لا يزال، يبدأ عمله بالصلاة على النبي صلي الله وسلم، قبل أن يصول ويجول، وقد يكون حديثه بعيدا عن المجال الديني، وقد يكون منصبا على ما لا علاقة له بذلك، كما كان حاصلا عند رواية السيرة الهلالية، التي كان يتم إذاعتها عبر إحدى شبكات الإذاعة المصرية، ويقدم لها الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، ويستعرضها بالربابة تارة “جابر أبو حسين”، وتارة أخرى “السيد الضوي”، رحمة الله على الجميع!
يبدأ عازف الربابة عمله، بمقطع ثابت هو في مدح الرسول، قبل أن يدلف إلى موضوعه، أما أنا فسأبدأ حديثي بأن تيران وصنافير مصريتان، مهما كانت محاولات التعتيم على التفريط في أرض مصرية، لم يكن “الثمن المدفوع” هو وحده المحرض على التنازل عنها، ولكن تم هذا بناء على رغبة أمريكية وإسرائيلية، ضمن مهمة عبد الفتاح السيسي في تحقيق “الأمان” للصهاينة، متحللا بذلك مما كان يطلق عليه الصامتون الآن بـ “الثوابت الوطنية”!
لستُ متأكدا، أن حادث أبو قرقاص يستهدف التغطية على موضوع ” تيران وصنافير”، فهناك الكثير من الأمور، التي يكون هذا الحادث يستهدف جذب انتباه الناس بعيدا عنها، وتبدأ من الحرائق التي استهدفت تحقيق مخطط إخلاء منطقة وسط البلد لصالح نفوذ رأس المال الخارجي والداخلي، وهناك القرض الجريمة الذي يقدر بـ (25) مليار دولار من روسيا، وهناك حادث “إسقاط” الطائرة المصرية، القادمة من باريس، وقد قيل كلام مهم حول مناورات عسكرية إسرائيلية مشتركة مع اليونان والولايات المتحدة في الأجواء ذاتها التي مرت منها هذه الطائرة. وهناك تداعيات بناء سد النهضة، وإذا كان الرأي العام لم ينتبه لما أقدم عليه “عبد الفتاح السيسي” من التوقيع على بناء السد، دون اتفاق على مواصفاته وسعته التخزينية، ودون الاتفاق على ضمان حصة مصر التاريخية من المياه، فإن التداعيات رآها الناس رأي العين، من خلال جفاف الأراضي الزراعية لعدم وجود المياه، فضلا عن فلتات لسان بعض المسؤولين التي كشفت عن حجم الجريمة، فوزير الري بشر المصريين بأن مياه الصرف الصحي في المشروع القومي للسيسي، لن تكون فقط للزراعة ولكن للشرب أيضا، ووزير الكهرباء قال بأن السد العالي “خارج الخدمة”، قبل أن ينهره السيسي ويأمره بألا يتكلم في التفاصيل!
هذا فضلا عن أن قضية عزل “هشام جنينة” رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، التي تمت بالمخالفة لنصوص الدستور والقانون التي تحصنه ضد العزل، بدأت في التفاعل من جديد بعد أن غطت عليها الأحداث الأخيرة، وقد تجرأ الرجل وطعن مؤخرا في قرار عزله، فاستدعته النيابة للتحقيق على قاعدة “كش ملك”، وحالة الاسترخاء ستجعله موضوعا مثيرا، لاسيما وأن قرار عزله يرجع إلى أنه كشف الفساد، الذي صار عنوان حكم الانقلاب العسكري، وقد مُنع بعد هذا الانقلاب من مراقبة حسابات كثير من الجهات السيادية في مصر، وهو ما كفلته الثورة للجهاز، للعودة من جديد إلى ما كان حاصلا في زمن مبارك وبالمخالفة لقانون الجهاز!
وأن يدفع استشعار الرجل الخطر من التنكيل به، فيتخلى عن تردد القاضي، ويتصرف على غير طبيعته المحافظة، سيفتح الأعين على بديل مناسب للحكم، للذين يرون أن أزمة مصر الحقيقية في عدم وجود البديل، أتحدث عن هؤلاء الذين يترددون في العمل على إسقاط الانقلاب، مخافة أن يعيدهم هذا لزمن الإخوان، وممن يرون الآن خطرا على مصر المستقبل والحاضر في ظل حكم العسكر، وهو لم يكن باديا لهم من قبل، وهؤلاء ليسوا مستعدين لقبول البديل الإخواني، لأسباب يطول شرحها، معظمها تنطلق من الحالة النفسية لهم.
ما علينا، فمن لدعته الشوربة لا يلام إن نفخ في الزبادي، ومن شاهد عمليات الإلهاء التي يقوم بها الانقلاب العسكري لستر فضائحه، وبعضها يمثل جرائم وطنية مكتملة الأركان، لا يمكن أن يتعامل مع حادث أبو قرقاص بحسن نية وسلامة طوية، وما أقصده هنا هو توظيفه والنفخ فيه وتحويله لموضوع إعلامي في كل برامج “التوك شو”.
الحادث باختصار يدور حول أن شابا مسيحيا بإحدى قرى مركز أبو قرقاص، أقام علاقة مع إحدى نساء القرية، وقد وصلت إليه تحذيرات لم يأبه بها، ثم انتقل الأمر إلى التهديد، فقد هرب من القرية، وترك والديه في مواجهة المدفع، وقد تحرك عدد من أفراد القرية، هناك خلاف في تقدير أعدادهم ما بين (25) فرد، كما تقول جهات الأمن، و (300) مسلم كما تقول الكنيسة، وأشعلوا النيران في منزله، وإن كانت رواية الكنيسة تقول أن إشعال النار تم في كل بيوت مسيحيي القرية لإجبارهم على تركها، ثم قالت مصادر مسيحية، إنه تم تجريد “الوالدة المسنة” من ملابسها، وإن كان محافظ الإقليم، وهو يحمل رتبة “اللواء”، أرجع تداعيات الموقف لجماعة الأخوان المسلمين التي تحاول استغلال الأزمة للإثارة والإساءة إلى نظام الحكم!
ا بأس فسيادته “لواء” ولا نعرف إن كان ضابط جيش أم ضابط شرطة، وإن كانت السنوات الثلاث الماضية، أثبتت أنه يجمع بينهم تكوين ثقافي واحد!
المحافظ في مداخلة مع برنامج “أحمد موسى”، نفى أن يكون قد حدث تجريد السيدة المسنة من ملابسها، وقال إن الموقف لا يتعدي قيام بعض الشباب الموتورين بإلقاء كرات اللهب على منزل الشاب المسيحي، فخرجت على أثر هذا بعض النسوة بملابس النوم. ويبدو بحسب روايته أن صورة السيدة بهذه النحو، تم توظيفها بإدعاء أنه تم تجريدها!
لست أنفي أن تكون واقعة التجريد من الملابس قد حدثت فعلا، ولا أعرف إن كان هناك فيديو بهذه الواقعة أم لا، لكن تضارب الروايات لم ينته عند هذا الحد، فالأنبا أسقف قنا أدان في مداخلة مع برنامج “وائل الإبراشي” الأجهزة الأمنية، التي تلقت بلاغا من والدة الشاب المسيحي بتهديدات ولم تحرك ساكنا، في حين أن بيان مطرانية المنيا وأبو قرقاص ذكر أن واقعة التجريد من الملابس قام بها (25) شابا، ولم ينس البيان أن يوجه الشكر لأجهزة الأمن!
اللافت، أن كثيرين من المنتمين للقوى المدنية في مصر، وجدوا في الحادث فرصة، للتنديد بالوحشية الإسلامية، كما هي العادة، وانطلقوا في موقفهم من دوافع النخوة والشهامة، وقد عز عليهم أن تتعرى امرأة مصرية. كما جرى الحديث عن دولة القانون، ورفض هذه الأعمال الطائفية!
وفي الواقع أن تساؤل دولة القانون والتنديد بالطائفية، شاركتهم فيه أصوات مسيحية، مع أن القضية انتقلت للرأي العام عبر الكنيسة، وعبر قناة تلفزيونية مسيحية، وكان الحديث منصبا أيضا عن دولة القانون، وعن التنديد بهذا السلوك الطائفي الذي يقف وراء الجريمة، ثم وجدنا الكنيسة ممثلة في مطرانية المنيا وقنا تدخل على الخط!
وإذا صحت واقعة تجريد هذه السيدة المسنة من ملابسها، فإن هذا العمل مدان، قولا واحدا، وبكل لغات الدنيا، لكن في إدانته لا نغفل عن أن الذين شاهدوا فتيات الأزهر والنساء المعتقلات يجري انتهاك أعراضهن على يد سلطة أيدوها، ليس لهم أن يتحدثوا من منطلقات النخوة أو الشهامة.
ومع تفهمي للدوافع الاجتماعية وراء هذه الجريمة، فإني في دهشة من الذين يتحدثون عن الطائفية وعن مدنية الدولة ودولة القانون، ثم لا يجدون غضاضة في هذا الحضور الكنسي، سواء من خلال أسقف قنا، أو مطرانية المنيا وأبو قرقاص!
وعلى كل، فعندما يقال إن من حرض على الفتنة في القرية، قريب من الدوائر الأمنية، وعندما نعلم أن حكم العسكر له سوابق في إثارة مثل هذه الفتن، ولم يكن آخرها أحداث الكشح وتفجير كنيسة القديسين، فلن يكون منطقيا أن أنخرط في حفلة الزار المنصوبة، قبل المطالبة بتحقيق شفاف حول هذا الحادث.
تستطيع أن تدافع عن عرض السيدة المسنة في المنيا، وتلعن من فرط في كرامة الأرض، وذلك في نفس واحد، ومن منطلقات النخوة والشهامة أيضا.