وائل قنديل يكتب : مرسي والبرادعي وبينهما أوباما
خرج المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط المصري من السجن، في أغسطس/ آب 2015، بعد فترة اعتقال عبثية، دامت أكثر من عامين، بلا محاكمةٍ أو اتهام جاد، لكنها كانت رغبة سلطةٍ مجنونةٍ في الانتقام من كل نبيلٍ أعلن رفضه الانقلاب منذ اللحظة الأولى.
عقب خروجه تساءلت: هل كان مطلوباً أن يقبع المهندس أبو العلا ماضي، في ظلام السجن العمر كلّه، حتى يسلم من ألسنة حداد، تغمز وتلمز، بأن خروجه صفقة مع النظام؟ هل لا بد أن يذهب المواطن المصري إلى المعتقل شاباً بلا سبب قانوني، ويخرج شيخاً بلا سبب أيضاً، حتى ينجو من أولئك الأوغاد، من المتنطعين في الدين، كما في الثورة؟ الرغبة في التشكيك والتشويه، بأحاديث الصفقات مع السلطة، طاولت خروج أبو العلا ماضي، كما لحقت بالدكتور محمد سليم العوا، وآخرين من شخصياتٍ سياسيةٍ تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي، والعجيب أن التشكيك، هذه المرة، يأتي أيضاً من محسوبين، شكلاً، على هذا الحراك الثوري، إلا أنهم ينتمون، موضوعاً، إلى الثورة المضادّة والدولة العميقة، مع الوضع في الاعتبار أن “العميقة” أوسع كثيراً من أن تقتصر على السلطة فقط، إذ تبقى هنالك “معارضة عميقة” أيضاً.
بعد حواره الكاشف مع “العربي الجديد”، استبدت رغبة النهش ببعضهم، جاءوا ينشبون مخالبهم في الرجل، لأنه سرد روايةً، أظن أنها لا تنتقص من الرئيس السجين محمد مرسي، بل تجعله جديراً بوسام الاحترام والتقدير، حين أبى أن يفرض عليه أحد، في الخارج والداخل، واحداً من البرادعي وعمرو موسى، رئيساً للحكومة، كي يتغلب على العاصفة الهوجاء التي أرادت رأسه.
رأس محمد مرسي كان مطلوباً منذ اليوم الأول له في الحكم، بل والأرجح، قبل أن يتسلم منصبه، وأحيلك هنا إلى النشاط المحموم الذي قام به الثنائي عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي، بعد إخفاقهما، في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في 2012، لإحياء مقترح المجلس الرئاسي، أو منع إجراء جولة الإعادة بين مرسي وشفيق، إلا بعد تطبيق قانون العزل السياسي.
لم يكن قانون العزل مطلباً ملحاً عند المرشحين، اللذين فشلا في إحداث تنسيق بينهما، في الجولة الأولى من الانتخابات، ثم صار فجأة مطلباً ثورياً لازماً بعد أن خرجا من السباق، فراحا يناضلان لتطبيقه، لعل وعسى تنجح المقايضة، وتلغى الانتخابات، ويبدأ السباق مجدّداً، من نقطة الصفر.
فيما بعد قفز حمدين صباحي من “العزل” إلى “الغزل”، ليصبح هو وأحمد شفيق والبرادعي وأبو الفتوح في تحالف 30 يونيو/ حزيران 2013، من دون أن يستشعر أحدهم أي تناقض، وخصوصاً حمدين الذي كان أول من أخذ الفلول بالحضن، وهذه قصة أخرى.
دعنا الآن نتخيّل أن الرئيس مرسي رضخ، أو استجاب، أو تعامل ببراجماتيةٍ مع عرض البرادعي وعمرو موسى، وعين أحدهما رئيساً للحكومة، ولنفترض أن خلافاً في الرؤى ثار بين الطرفين، واحتد، فكيف كانت ستمضي الأمور بين رئيس جمهوريةٍ أذعن للإملاءات الخارجية، ورئيس حكومةٍ وصل إلى منصبه بالواسطة أو بالضغط الدولي؟
بالطبع، كانا سيلجآن إلى الجهة التي فرضت هذه العلاقة، شاكيين أو مؤلبين أو مبلغين عن أحدهما الآخر، إمعاناً في إظهار الولاء والطاعة لأصحاب الفضل.. هل أكثر بؤساً من مثل هذا الموقف بين رئيسيْن مكسوري العينين؟
وإذا كان ما سبق محض افتراض، فالثابت أن الطرف الأول، الدكتور مرسي، رفض هذه المهانة، ودفع الثمن، بحسب شهادة أبو العلا ماضي التي أضيف إليها شهادة النائب البرلماني والقيادي السابق في حزب الوسط حاتم عزام، والتي أعلن طرفا منها قبل نحو عامين، وفيها أن الرئيس مرسي أخبره شخصياً بأنه رفض عرضاً من الرئيس الأميركي أن يلتقي مرسي مسؤولين إسرائيليين، في مقابل أن يتدخل أوباما لإقناع عمرو موسي والبرادعي بحضور الحوار الوطني الذي دعا إليه ساكن الاتحادية في ذلك الوقت.
السؤال الآن: هل كان البرادعي سيقبلها على نفسه، لو استجاب الرئيس مرسي لضغوط تعيينه؟
ألقى أبو العلا ماضي حجراً ثقيلاً في بحيرة راكدة، فأثار موجاتٍ من الاشتباك السياسي الصاخب، أظن أن كل شخصيات هذه الدراما مدعوّة لكي تدلو بدلوها.
أثق أن اقتراح رئيس حزب الوسط على رئيس الجمهورية، تشكيل حكومة جديدة برئاسة البرادعي، أو عمرو موسى، كان يعبّر عن إرادة حقيقية في منع حريقٍ كانت ألسنته واضحة للعيان، غير أن الوقائع اللاحقة كشفت أن رغبات الانتقام كانت أكبر.